ذبول وردة ...!
ترسل الشمس أشعتها من خلف سجف السحب كخيوط
ذهبية يخالطها اللون الفضي ، ونسمات الهواء عليلة ،
منعشة تبعث أحاسيساً في النفس متباينة ،
تختلج مع ارتعاشات قلب دائم الخفقان ، شبيهة
بصوت مكتوم لناي حزين
هي بالأحرى سيمفونية طبيعية تتجاوب مع تلك النسمات ...
شيء لا يمكن أن يدخل في نطاق الوصف
مهما دبَّجنا من حروف
مهما أسهبنا في الوصف والتعبير
وتبقى لغة البشر قاصرة الأداء
لا تعبر عن كثير من المواقف
لا تستطيع أن تعبر عن المشاعر
فشتان بين الإحساس والوصف
شتان بين الشعور والتعبير عنه بحروف تكاد لا تبين
ليس سهلاً على النفس
على القلب
على المشاعر أن تشاهد وردة تذبل تدريجيا أمامك
ذبولاً بطيئاً
يوجد في النفس أحاسيس قاتلة
كالأمل الذي يتلاشى رويداً رويداً
كالحلم الذي يتماوج في خضل الفناء
ما أشبهها بشمس تميل إلى الغروب
ما أشبهها بغيمة في السماء تغالب التبعثر والتشتت
ما أشبهها بقارب يغوص في أعماق البحر شيئا فشيئا
بل ...
ما أشبهها بنفس تنازع خروج الروح
ما أشبهها بقصة قاربت على الانتهاء
لست أدري لم توقفت هنا
لأعيد التفكير في السطر الأخير
( ما أشبهها بقصة قاربت على الانتهاء )
أهي فعلاً كذلك ؟؟
بدأت حين بدأت شيئا صغيراً جميلاً
ثم نَمت برغم كل الظروف
برغم مختلف الأنواء
برغم عوامل التعرية
و قساوة الوحدة
كل يوم
كل ليلة
لها قصة
لها حكاية
نَمت لتأخذ حيزاً في هذا الوجود
تشعر فيه بذاتها
بوجودها
بكينونتها
أصبح الآن لها معنى وربما رؤى
تطلعات وربما أحلام
غداً سيكون يوماً جميلاً
ويأتي الغد و لا يأتي
ويأتي الغد لكنه كالأمس
فما زالت قيود كما هي
ما زالت الظروف تطوقها من كل مكان
وتمر الأيام
ويبدأ ( موال ) الصبر يأخذ مجراه
يشق طريقه في الحياة
يتجذر
يتعمق
يصبح ملجأً وحيداً للهروب
مصدراً للورود
إذا لم تستطع تغيير الواقع فعلينا التأقلم مع مقتضياته
أن نرتدي قناعاً للسعادة
قناعاً للفرحةقناعاً للـ ......
أن نتدثر بالأمل ( لعل وعسى )
تمر الأيام
تمر الأيام سراعا
كلما تقدمنا في العمر
كان إحساسنا بصيرورة الزمن أقوى
وإن قطار العمر يتسارع مجراه / مسراه
على خط الحياة
وكأننا لا حول لنا إلا
أن نعاين بصمت
أن نعايش بصمت
الطريق الذي لا يمتد إلا لنا
لا يطول إلا من أجل أن نمشي فيه
تمر الأيام سراعا
نتمنى أن نعود أطفالاً
أن نرجع صغاراً
نلهو
لا نعرف المستحيل
ما تزال الأيام كعادتها
تعاندنا
ما تزال الشمس تشرق كعادتها
ونحن كما نحن
نعيش الثبات في عالم التغير
حالة ثبات ما
نشاهد التغيرات
ما زال إحساسنا بأننا (نحن) (نحن) .... لم نتغير
ما زالت (ذاتيتنا) (هي) (هي) .... لم تتغير
رغم إحساسنا بالكم الهائل
من التغيرات المستمرة
من التحولات الدائبة
فهذا الجسم الذي بدأ يخضع لعوامل التعرية
هذا الإحساس المتسارع بالزمن
إحساس متثاقل
إحساس متراكم
يقابله
هروب – بكل الطرق – من هذا الإحساس
ويتسامى سؤال يبحث عن إجابة حائرة
في خضم لا يهدأ
و بحر لا يستكين
وموج يتوالي :
هل استطاعت (المتغيرات النسبية) أن تؤثر في (المطلق) ؟
هل استطاعت المؤثرات المختلفة والتغيرات النسبية أن تؤثر في قيمة (وردة)
في القيمة المطلقة التي تمثلها هذه الوردة – قيمة الجمال ؟
إن الوردة ليست إلا مجموعة أوراق التفت
حول نفسها بطريقة ما في شكل هندسي بديع تغلفها
رائحة عطرة آخاذة لتعبر عن قيمة مطلقة يقف
كل منا أمامها قائلا ( سبحان الله ! .. ما أجملها !)
ما زالت الوردة تقاوم الذبول
لكن
إلى أي مدى يمكنها مقاومة تعاقب الليل والنهار ؟
إلى متى يمكنها أن تصمد في وجه أعاصير الحياة ؟
إلى متى يمكن أن تظل ثابتة في مسيرة هذا الطريق ؟
إشارات واضحة المعالم مرت بها وهي تسلك نهج الوجود
( لكل بداية نهاية )
أهي النهاية ؟
أم ما زال في العمر بقية ؟؟
بل ... ما زال الطريق طويلا
ما زلت أحمل بين طيات أوراقي شيئا من التحدي لهذه المتغيرات
ما زلت أملك الأمل
ما زلت أحمله في طيات ذلك العطر الندي
ما زلت أحمل حقائب الأحلام وأسطورة فينيق
ما زلت أحلم بشرنقة الفراشة التي حينما تموت تبعث من جديد
ما زالت أحتفظ بأشعة الشمس وضوء القمر وأغاني العصافير
ما زلت رغم كل شيء أواجه هذه الحياة
وليس هذا الذبول على بعض أطراف أوراقي إلا ضريبة الهواء
إلا ضريبة الماء
ضريبة لهذة النحلة التي تمر عليَّ لتطرد قساوة الوحدة / فتعزيني
ثم لم هذا الخوف ؟؟!
أوراق ذابلة
أوراق متساقطة
أوراق متهاوية
وحتى بعد سقوطي / بعد موتي / بعد امتزاجي في هذه الأرض
سأبقى ذكرى عطرة تضخ الكون وأريجاً يعبق بالذاكرة ..
فنحن من يصنع الحقائق
نحن الذين نصنع الذكرى .
//
//
//
//
ولكم تحياتي